سورة النمل - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


قوله عز وجل: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبد وا الله} أي وحدوه لا تشركوا به شيئاً {فإذا هم فريقان} أي مؤمن وكافر {يختصمون} أي في الدين كل فريق يقول الحق معنا {قال} يعني صالحاً للفريق المكذب {يا قوم لم تستعجلون بالسيئة} أي بالبلاء والعقوبة {قبل الحسنة} أي العافية الرحمة {لولا} أي هلا {تستغفرون الله} أي بالتوبة إليه من الكفر {لعلكم ترحمون} أي لا تعذبون في الدنيا {قالوا اطيرنا} أي تشاءمنا {بك وبمن معك} قيل: إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل: الإمساك القطر عنهم قالوا إما أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك {قال طائركم عند الله} أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله مكتوب عليكم، سمي طائراً لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم وقال ابن عباس الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم وقيل طائركم أي عملكم، عند الله، سمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء {بل أنتم قوم تفتنون} قال ابن عباس تختبرون بالخير والشر وقيل معناه تعذبون. قوله تعالى: {وكان في المدينة} يعني مدينة ثمود وهي الحجر {تسعة رهط} يعني من أبناء أشرافهم {يفسدون في الأرض} أي بالمعاصي {ولا يصلحون} أي لا يطعيون وهم غواة قوم صالح الذي اتفقوا على عقر الناقة ورأسهم قدار بن سالف {قالوا تقاسموا بالله} يعني يقول بعضهم لبيعض احلفوا بالله أيها القوم {لنبيتنه} أي لنقتلنه ليلاً {وأهله} يعني قومه الذين آمنوا معه {ثم لنقولن لوليه} أي لولي دمه {ما شهدنا} يعني ما حضرنا {مهلك أهله} أي ما ندري من قتله ولا هلاك أهله {وإنا لصادقون} يعني قولنا ما شهدنا ذلك.


{ومكروا مكراً} أي غدروا غدراً حين قصدوا تبيت صالح وأهله {ومكرنا مكراً} يعني جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب {وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم} يعني أهلكناهم أي التسعة قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة {وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} أي بظلمهم وكفرهم {إن في ذلك لآية} أي لعبرة {لقوم يعلمون} أي قدرتنا {وأنجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون} يقال إن الناجين كانوا أربعة آلاف. قوله تعالى: {ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة} أي الفعلة القبيحة {وأنتم تبصرون} أي تعلمون أنها فاحشة هو من بصر القلب وقيل: معناه يبصر بعضكم بعضاً وكانوا لا يستترون عتواً منهم {أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون} فإن قلت إذا فسر تبصرون بالعلم وقد قال: بعده {قوم تجهلون} فيكون العلم جهلاً. قلت: معناه تفعلون فعل الجاهلين وتعلمون أنه فاحشة. وقيل: تجهلون العاقبة وقيل أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها {فلما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} يعني من أدبار الرجال {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين} أي قضينا عليها بأن جعلناها من الباقين في العذاب {وأمطرنا عليهم مطراً} أي الحجارة {فساء} أي فبئس {مطر المنذرين} قوله عز وجل: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، وقيل: يحمده على جميع نعمه وسلام على عباده الذين اصطفى يعني الأنبياء والمرسلين وقال ابن عباس: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين {الله خير أما يشركون} فيه تبكيت للمشركين وإلزام الحجة عليهم بعد هلاك الكفار. والمعنى آلله خير لمن عبد ه أم الأصنام لمن عبد ها فإن الله خير لمن عبد ه وآمن به لإغنائه عنه من الهلاك والأصنام، لم تغن شيئاً عن عابديها عند نزول العذاب، ولهذا السبب ذكر أنواعاً تدل على وحدانيته وكما قدرته.
فالنوع الأول قوله تعالى: {أمن خلق السموات والأرض} ذكر أعظم الأشياء المشاهدة الدالة على عظيم قدرته. والمعنى الأصنام خير أم الذي خلق السموات والأرض ثم ذكر نعمه فقال {وأنزل لكم من السماء ماء} يعني المطر {فأنبتنا به حدائق} أي بساتين جمع حديقة، وهو البستان المحيط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة {ذات بهجة} أي ذات منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراه {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} يعني ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون على ذلك لأن الإنسان قد يقول: أنا المنبت للشجرة بأن أغرسها وأسقيها الماء فأزال هذه الشبهة بقوله: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} لأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، والطعوم والروائح المختلفة والزروع تسقى بماء واحد، لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ ولا يتأتى لأحد وإن تأتى ذلك لغيره محال {أإله مع الله} يعني هل معه معبود أعانه على صنعه {بل} يعني ليس معه إله ولا شريك {هم قوم} يعني كفار مكة {يعدلون} يشركون وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر إلى الباطل.
النوع الثاني قوله عز وجل: {أمن جعل الأرض قراراً} أي دحاها وسواها للاستقرار عليها، وقيل لا تميد بأهلها {وجعل خلالها أنهاراً} أي وسطها بأنهار تطرد بالمياه {وجعل لها رواسي} أي جبالاً ثوابت {وجعل بين البحرين} يعني العذاب والملح {حاجزاً} أي مانعاً لا يختلط أحدهما بالآخر {أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} أي توحيد ربهم وقدرته وسلطانه. النوع الثالث قوله تعالى: {أمن يجب المضطر} أي المكروب المجهود، وقيل: المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر يعني إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى وقيل: هو المذنب إذا استغفر {إذا دعاه} يعني فيكشف ضره {ويكشف السوء} أي الضر لأنه لا يقدر على تغيير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة ومن ضيق إلى سعة إلا القادر، الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب ولا ينازع {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي سكانها، وذلك أنه ورثهم سكانها والتصرف فيها قرناً بعد قرن وقيل يجعل أولادكم خلفاء لكم وقيل: جعلكم خلفاء الجن في الأرض {أإله مع الله قليلاً ما تذكرون} أي تتعظون. النوع الرابع قوله عز وجل: {أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر} أي يهديكم بالنجوم والعلامات إذا جن عليكم الليل مسافرين في البر والبحر {ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي قدام المطر {أإله مع الله تعالى عما يشركون}


النوع الخامس قوله تعالى: {أمن يبدأ الخلق} أي نطفاً في الأرحام {ثم يعيده} بعد الموت {ومن يررقكم من السماء والأرض} أي من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات {إإلهة مع الله قل هاتوا برهانكم} أي حجتكم على قولكم إن مع الله إلهاً آخر {إن كنتم صادقين} قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة. والمعنى أن الله هو الذي يعلم الغيب وحده ويعلم متى تقوم الساعة {ما يشعرون أيان يبعثون} يعني أن من في السموات وهم الملائكة ومن في الأرض وهم بنو آدم لا يعلمون متى يبعثون والله تعالى تفرد بعلم ذلك {بل ادارك علمهم} أي بلغ ولحق علمهم {في الآخرة} هو ما جهلوه في الدنيا وسقط عنهم علمه. وقيل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه وعلموا عنه في الدنيا وهو قوله تعالى: {بل هم في شك منها} أي هم اليوم في شك من الساعة {بل هم منها عمون} جمع عم وهو أعمى القلب وقيل معنى الآية أن الله أخبر عنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة، وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا.
قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} أي مشركو مكة {أإذا كنا تراباً وآباؤنا أإنا لمخرجون} أي من قبورنا أحياء {لقد وعدنا هذا} أي هذا البعث {نحن وآباؤنا من قبل} أي من قبل محمد صلى الله عليه سلم وليس ذلك بشيء {إن هذا} أي ما هذا {إلا أساطير الأولين} أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها {قيل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم} أي بتكذيبهم إياك وإعراضهم عنك. {ولا تكن في ضيق مما يمكرون} نزلت في المستهزئين الذي اقتسموا عقاب مكة {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف} أي دنا وقرب {لكم} وقيل معناه ردفكم {بعض الذي تستعجلون} أي من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر. قوله عز وجل: {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم} أي تخفى {وما يعلنون} أي من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما من غائبة} أي من جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشيء غائب {في السماء والأرض إلا في كتاب مبين} يعني في اللوح المحفوظ {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} أي يبين لهم {أكثر الذين هم فيه يختلفون} أي من أمر الدين، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزاباً يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه {وإنه} يعني القرآن {لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم} أي يفصل بينهم ويحكم بين المختلفين في الدين يوم القيامة {بحكمة} أي الحق {هو العزيز} الممتنع الذي لا يرد له أمر {العليم} أي بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء منها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5